إن جزءاً أساسياً من ممارسة مسؤوليتك في قيادة حياتك هو أن تكون سيد وقتك الذي يقرر كيفية استخدامه وكيف يجب أن يمضي اليوم. يجب أن تتجنب تضييع وقتك في تلك الأشياء التي تستهلك الكثير دون عائد كبير، وأن تركز على أن تكون منتجًا في الأشياء التي تهمك حقًا.
أن تكون منتجًا هنا هو مفهوم عام ولا يتعلق فقط بعملك. فأي شيء تفعله ويخدم رؤيتك وخططك (مهما كانت) هو في النهاية نشاط منتج، والتعريف النهائي لذلك يعتمد عليك أنت وعلى رؤيتك للحياة.
إن تحديد اهتماماتك وأدوارك وأولوياتك يجعلك أكثر إداركاً لالتزاماتك وواجباتك ويساعدك على البدء في قبول التأثير الذي لا مفر منه للعالم المحيط بك والقيود التي سيضعها عليك في النهاية (على الأقل في الوقت الحالي). وسيتعين عليك البدء في التكيف مع ذلك بطريقة تحافظ على معظم قدرتك على اختيار ما يجب القيام به وكيف ومتى، وذلك من خلال إدارة وقتك على أساس فترات زمنية قصيرة، مما سيجعلك قادرًا على إدارة ما يصل إلى 60٪ من وقتك بسهولة دون بذل الكثير من الجهد، بل ويمكنك حتى تحقيق نسبة أكبر من ذلك ولكن بمزيد من الجهد وبعض التضحيات.
يمكنك البدء بتحديد الأهداف التي ترغب ويمكنك في نفس الوقت تحقيقها خلال الفترة القصيرة القادمة، ثم قم بترجمة ذلك إلى خطة عملية قصيرة المدة تأخذ في الاعتبار التزاماتك والمقاطعات والتحديات المتوقعة.
يجب أن يتراوح الإطار الزمني لمثل هذه الخطة ما بين أسبوع واحد إلى شهر واحد حسب ما تشعر أنه سيكون أفضل لظروفك الحالية. وبمجرد انتهاء هذه المدة، كرر العملية مرة أخرى بخطة جديدة لفترة جديدة، وهكذا ... والآن، لجعل هذه الخطط أكثر تنظيمًا وكفاءة ستحتاج بالتأكيد إلى إعادة ترتيب أنشطة حياتك اليومية وتقييم كل ما تفعله، سواء كان إلزاميًا أو تطوعيًا، ثم تحديد الأولويات لكل منها. بشكل عام، عليك أن تحاول قدر المستطاع توسيع مساحة الأنشطة التي تنتمي إلى أولوياتك العليا وتضييق مساحة الأنشطة الأخرى على الخريطة.
تقول معادلة شهيرة أننا نقوم بـ 80٪ من الأشياء التي تهمنا حقًا خلال 20٪ فقط من وقتنا، بينما تستهلك الـ 20٪ المتبقية من هذه الأشياء الـ 80٪ المتبقية من وقتنا. لذا، إذا كان بإمكانك التخلص من هذه الـ 20٪ قدر الإمكان، فستوفر ما يصل إلى 80٪ من وقتك وستظل تنجز على الأقل80٪ من الأمور التي تهمك. من الناحية العملية، من الصعب الوصول إلى مثل هذا المستوى على أرض الواقع، ولكن من الممكن نسبيًا في الظروف الطبيعية تحقيق مستوى يتم فيه استغلال 50٪ من وقتك في الأشياء التي تهمك فعلاً.
قد تعتقد أنها ليست تلك الزيادة الكبيرة حقًا، لكنك ستجد أنها تُحدث فرقًا كبيرًا في كفاءتك وشعورك بالراحة. كما ستقلل كثيراً من عدد وحجم المشاكل التي تطرق بابك كل يوم.
وقبل أن أواصل، من الضروري هنا أن أؤكد لك أن الاستجمام والحصول على مستوى معتدل من المرح ليس مضيعة للوقت، بل هو أمر ضروري ومطلوب. وحين يتعلق الأمر بذلك فإن الهدف يكون هو تحديد ما ينتمي إلى هذا المستوى المعتدل المفيد، وما هو أبعد من ذلك ويجب اعتباره مضيعة حقيقية للوقت.
على أي حال، فإن ذلك ليس هو المهمة الأصعب هنا ، فلا يزال يتعين عليك القيام بالتفريق الصعب والاختيار بين الأشياء التي تنتمي جميعها إلى منطقة نفوذك الفعال ولكن بأولويات مختلفة. اعتمادًا على الظروف، سيكون عليك الاستغناء (كليًا أو جزئيًا) عن بعض الأمور ذات الأولوية الأقل. ولذلك، ستحتاج إلى التفكير فيما يمكنك الاستغناء عنه وما لا يمكنك الاستغناء عنه.
ويجب أن تضع في اعتبارك أيضاً الاستغناء التدريجي عن تلك الأنشطة التي يجب الاستغناء عنها ولكن ذلك غير ممكن على الفور؛ وفي أسوأ الحالات، يجب عليك تحديدها ليتم الاستغناء عنها لاحقًا بمجرد أن يكون ذلك ممكنًا. إن هذا جزء طبيعي من الحياة، والقدرة على اتخاذ مثل هذه القرارات هي مهارة أساسية لكل شخص ناجح.
إن أحد الأشياء التي من شأنها أن تساعدك على تعلم وممارسة تلك المهارة بشكل فعال هو فهم استراتيجية بسيطة يمكن تسميتها "الانتقال إلى مربعٍ أكثر بياضًا".
يمكننا رسم خريطة بسيطة لكفاءة استغلالنا للوقت اعتمادًا على طبيعة الأنشطة التي نقضي فيها وقتنا من حيث كونها: مهمة أو غير مهمة، عاجلة أو غير عاجلة، وملزمة أو غير ملزمة. كل نشاط من الأنشطة التي تقوم بها في حياتك يأخذ موقعًا في أحد المربعات الثمانية على هذه الخريطة.
يعتمد الحكم على شيء ما كونه مهمًا أو غير مهم على ما إذا كان يوفر عائدًا حقيقاً فيما يتعلق برؤيتك وأهدافك أم لا؛ لذلك عندما لا يكون لشيء ما عائد حقيقي، فهو غير مهم. إن القول بأن شيئًا ما عاجل يعني أنه لا يمكن تأخيره لأي سبب من الأسباب. ويعتمد تحديد ما إذا كان شيء ما إلزامياً أم لا على مقدار رغبتك واستعدادك لدفع التكلفة المطلوبة للتوقف عن القيام بهذا النشاط والتخلص منه. وكلما كنت أكثر استعدادًا لذلك، كلما أصبح النشاط أقل إلزامية، والعكس صحيح. إذا كنت لا تمانع في دفع تكلفة التخلص من هذا النشاط عندما تريد، فهذا يعني أن قرار أداء هذا النشاط هو في الأساس قرارك أنت لأنه يمكنك التوقف في أي لحظة ودفع التكلفة. من ناحية أخرى، إذا كنت لا تستطيع أو لا ترغب في دفع التكلفة، فلن يكون لديك خيار سوى القيام بهذا النشاط مما يجعله إلزامياً.
إن الجحيم المظلم الحقيقي سيكون عندما تفشل في تنظيم وقتك وأولوياتك وتسقط في تلك المنطقة حيث تقضي معظم وقتك في القيام بأشياء غير مهمة وعاجلة وملزمة في نفس الوقت، إذ يمكنك القول إنك تهدر ما يقرب من 100٪ من وقتك وطاقتك هنا.
في هذه المنطقة المظلمة، تعتبرك المشاكل مُضيفها المفضل، ولن تستمر في زيارتك بشكل متكرر فحسب، بل على الأرجح أنها ستحصل على تأشيرة إقامة دائمة، وتعتبر حياتك موطنها حيث يمكن لها أن تنمو وتكبر وتتكاثر وتمنحك المزيد من المشاكل الصغيرة اللطيفة. ☺
من ناحية أخرى، فإن أفضل استخدام للوقت هو عندما تقضي معظم وقتك في القيام بأنشطة مهمة وغير عاجلة وغير مُلزمة (أياً كان نوع هذه الأنشطة)، مما يعني أنك تستغل ما يقرب من 100٪ من وقتك من خلال القيام بأشياء مهمة لا تشكل ضغطا عليك وتعطيك الشعور بالحرية والاختيار.
كلما نظمت أنشطتك وفقًا لاهتماماتك وأولوياتك، زادت قدرتك على التحرر من الأنشطة العاجلة وغير المهمة والإلزامية. ومع ذلك، ستظل بحاجة إلى مراجعة الأنشطة التي تقوم بها في حياتك اليومية بشكل دوري، وإعادة تقييمها وفقًا لموقعها على خريطة الفعالية والوقت الذي يستغرقه كل منها. إذ أنه من الضروري أن تعيد ترتيب حياتك وأنشطتك بشكل تدريجي بحيث تستغني بقدر الإمكان عن تلك الأنشطة التي تجذبك إلى المربعات المظلمة، أو أن تضع حدودًا لها.
مرة أخرى، قد يتطلب هذا بعض التضحيات، حيث يجب عليك إجراء عمليات استبعاد مناسبة بمرور الوقت للأنشطة التي تضيع وقتك (غير مهمة)، أو تسبب ضغطًا على جدول أعمالك (عاجلة) أو لا يمكنك عادةً تجنبها (مُلزمة).
إن الهدف هنا هو قضاء المزيد من الوقت في المناطق الأكثر فاعلية على الخريطة بحيث يمكنك التركيز قدر الإمكان على ما هو قَيّمٌ حقًا بالنسبة لك (هام)، ولا يسبب ضغطًا (غير عاجل)، ويمنحك الشعور بالاختيار والحرية والمتعة أثناء ممارسته حيث لا تشعر أنك مضطر أو مجبر على القيام به (غير مُلزم). أي أنك مع مرور الوقت يجب أن تنتقل بأنشطة حياتك اليومية بشكل عام بحيث يصبح معظمها في مربعات أكثر بياضًا من تلك التي اعتدت أن تكون فيها من قبل.